اسمه و نسبه
اسمه عبد الله بن عثمان بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي . و اسم أمه : أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر ، ماتت مسلمة . و في تسميته بعتيق ثلاثة أقوال : أحدهما ما روي عن عائشة أنها سئلت : لم سمي أبو بكر عتيقاً ؟ فقالت : نظر إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : هذا عتيق الله من النار . و الثاني : أنه اسم سمته به أمه ، قاله موسى بن طلحة . و الثالث : أنه سمي به لجمال وجهه ، قاله الليث بن سعد . و قال ابن قتيبة لقبه النبي صلى الله عليه و سلم بذلك لجمال و سماه النبي - صلّى الله عليه وسلّم - صديقاً و قال يكون بعدي اثنا عشر خليفة ، أبو بكر الصديق لا يلبث إلا قليلاً . و كان علي بن أبي طالب يحلف بالله أن الله أنزل اسم أبي بكر من السماء : الصديق .
صفته
كان أبو بكر رضي الله عنه نحيفاً خفيف العارضين معروق الوجه ناتئ الجبهة أجنى لا يستمسك ، إزاره يسترخي عن حقويه ، عاري الأشاجع يخضب بالحناء و الكتم عن أنس قال : كان أبو بكر يخضب بالحناء و الكتم . و عن قيس بن أبي حازم قال : دخلت مع أبي على أبي بكر و كان رجلاً نحيفاً خفيف اللحم ، أبيض .
أفعاله الجميلة
عن أسماء بنت أبي بكر قالت : جاء الصريخ إلى أبي بكر ، فقيل له : أدرك صاحبك . فخرج من عندنا و إن له غدائر ، فدخل المسجد و هو يقول : ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله و قد جاءكم بالبينات من ربكم قال : فلهوا عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - و أقبلوا إلى أبي بكر ، فرجع إلينا أبو بكر ، فجعل لا يمس شيئاً من غدائره إلا جاء معه ، و هو يقول : تباركت يا ذا الجلال و الإكرام . و عن أنس ، قال : لما كان ليلة الغار قال أبو بكر يا رسول الله دعني أدخل قبلك فإن كان حية أو شيء كانت لي قبلك قال : ادخل . فدخل أبو بكر فجعل يلتمس بيده كلما رأى جحراً قال بثوبه فشقه ثم ألقمه الجحر ، حتى فعل ذلك بثوبه أجمع . قال : فبقي جحر فوضع عقبه عليه ثم أدخل رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - . فلما أصبح قال له النبي صلى الله عليه و سلم : فأين ثوبك يا أبا بكر ؟ فأخبره بالذي صنع ، فرفع رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يديه و قال : اللهم اجعل أبا بكر معي في درجتي يوم القيامة . فأوحى الله عز و جل إليه أن الله تعالى قد استجاب لك . و عن الزهري قال : قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - لحسان : هل قلت في أبي بكر شيئاً ؟ فقال نعم . فقال : قل و أنا أسمع . فقال :
و ثاني اثنين في الغار المنيف وقد طاف العدو به إذ صعد الجبلا
و كان أحب رسول الله ، قد علموا من البرية لم يعدل به رجـــلا
فضحك رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - حتى بدت نواجذه ، ثم قال : صدقت يا حسان ، هو كما قلت . و قال المدائني : و كان ردف رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - . و عن عمر بن الخطاب قال : أمرنا رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أن نتصدق و وافق ذلك مالاً عندي فقلت : اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً . قال : فجئت بنصف مالي . قال : فقال لي رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - : ما أبقيت لأهلك ؟ قلت : مثله . و أتى أبو بكر بكل ما عنده ، فقال له رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - : ما أبقيت لأهلك ؟ فقال : أبقيت لهم الله و رسوله . فقلت : لا أسابقك إلى شيء أبداً . و عن قيس ، قال : اشترى أبو بكر رضي الله عنه بلالاً ، و هو مدفون في الحجارة بخمس أواق ذهباً ، فقالوا : لو أبيت إلا أوقية لبعناك . قال : لو أبيتم إلا مائة أوقية لأخذته .
جُمَلٌ من فضائله و مناقبه رضي الله عنه
ذكر أهل العلم بالتواريخ و السير أن أبا بكر شهد مع رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - بدراً و جميع المشاهد ، و لم يفته منها مشهد ، و ثبت مع رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يوم أحد ، و دفع إليه رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - رايته العظمى يوم تبوك ، و أنه كان يملك يوم أسلم أربعين ألف درهم ، فكان يعتق منها و يقوي المسلمين ، و هو أول من جمع القرآن ، و تنزه عن شرب المسكر في الجاهلية و الإسلام ، و هو أول من قاء تحرجاً من الشبهات . و ذكر محمد بن إسحاق أنه أسلم على يده من العشرة خمسة : عثمان بن عفان و طلحة بن عبيد الله ، و الزبير ، و سعد بن أبي وقاص ، و عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم . عن أبي سعيد قال : خطب رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - الناس فقال : إن الله عز وجل خير عبداً بين الدنيا و بين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عنده . فبكى أبو بكر ، فعجبنا من بكائه ، فكان رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - المخير و كان أبو بكر أعلمنا به فقال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - : إن من آمن الناس عليّ في صحبته و ماله أبو بكر ، و لو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر ، لكن أخوة الإسلام و مودته ، لا يبقى في المسجد باب إلا سد إلا باب أبو بكر ، أخرجاه في الصحيحين . عن أبي الدرداء قال : كنت جالساً عند النبي - صلّى الله عليه وسلّم - إذ أقبل أبو بكر آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبتيه ، فقال النبي - صلّى الله عليه وسلّم - أما صاحبكم فقد غامر ، فسلم فقال يا رسول الله إني كان بيني و بين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه ، ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى علي ، فأقبلت : فقال يغفر الله لك يا أبا بكر ، ثلاثاً . ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فقال : أثم أبو بكر قالوا : لا ، فأتى إلى النبي - صلّى الله عليه وسلّم - فسلم عليه فجعل وجه النبي - صلّى الله عليه وسلّم - و سلم يتمعر حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه فقال : يا رسول الله ، و الله إن كنت أظلم مرتين . فقال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - : إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت ، و قال أبو بكر صدق وواساني بنفسه و ماله ، فهل أنتم تاركو لي صاحبي ؟ مرتين ، فما أوذي بعدها . انفرد بإخراجه البخاري . و عن سهل بن سعد قال : كان قتال بني عمرو بن عوف فبلغ النبي - صلّى الله عليه وسلّم - فأتاهم بعد الظهر ليصلح بينهم ، و قال : يا بلال إن حضرت الصلاة و لم آت فمر أبا بكر فليصل بالناس . فلما أن حضرت الصلاة أقام بلال العصر ثم أمر أبا بكر فتقدم بهم وجاء رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - بعد ما دخل أبو بكر في الصلاة فلما رأوه صفحوا و جاء رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يشق الناس حتى قام خلف أبي بكر . قال : و كان أبو بكر إذا دخل في الصلاة لم يلتفت ، فلما رأى التصفيح لا يمسك عنه التفت فرأى النبي - صلّى الله عليه وسلّم - خلفه فأومأ إليه رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - بيده أن امضه فقام أبو بكر على هيئته فحمد الله على ذلك ثم مشى القهقرى . قال : فمضى رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فصلى بالناس ، فلما قضى رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - الصلاة قال : ياأبا بكر ما منعك إذ أومأت إليك أن لا تكون مضيت ؟ فقال أبو بكر : لم يكن لابن أبي قحافة أن يؤم رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - . فقال للناس : إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجال ، و لتصفح النساء . أخرجاه في الصحيحين .
وعن عائشة قالت : لما ثقل رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - جاء بلال يؤذنه بالصلاة فقال : مروا أبا بكر فليصل بالناس . قالت : فقلت : يا رسول الله إن أبا بكر رجل أسيف و أنه متى يقوم مقامك لا يسمع الناس ، فلو أمرت عمر . فقال : مروا أبا بكر فليصل بالناس . قالت : فقلت لحفصة : قولي له إن أبا بكر رجل أسيف ، و إنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس ، فلو أمرت عمر فقال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - : إنكن لأنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس . قالت : فأمروا أبا بكر يصلي بالناس ، فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في نفسه خفة ، قالت : فقام يهادي بين رجلين و رجلاه تخطان في الأرض ، حتى دخل المسجد ، فلما سمع أبو بكر حسه ذهب ليتأخر ، فأومأ إليه رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - : أن قم كما أنت فجاء رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - حتى جلس عن يسار أبي بكر و أبو بكر قائماً ، يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - و يقتدي الناس بصلاة أبي بكر . أخرجاه في الصحيحين .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - : ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر . فبكى أبو بكر و قال : هل أنا و مالي إلا لك يا رسول الله ؟ . رواه أحمد . و عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبي ، قال : أتت امرأة إلى النبي - صلّى الله عليه وسلّم - فأمرها أن ترجع إليه ، قالت : أرأيت إن جئت و لم أجدك ؟ كأنها تقول الموت قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - إن لم تجديني فائتي أبا بكر . رواه البخاري و عن ابن عمر ، قال : كنت عند النبي - صلّى الله عليه وسلّم - و عنده أبو بكر الصديق ، و عليه عباءة قد خلها في صدره بخلال فنزل عليه جبريل فقال : يا محمد مالي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خلها في صدره ؟ فقال : يا جبريل أنفق ماله علي قبل الفتح ، قال : فإن الله عز و جل يقرأ عليك السلام و يقول لك قل له أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط ؟ فقال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يا أبا بكر ، إن الله عز و جل يقرأ عليك السلام و يقول لك أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط ؟ فقال أبو بكر عليه السلام أسخط على ربي ؟ أنا عن ربي راض ، أناعن ربي راض ، أنا عن ربي راض . و عن أبي رجاء العطاردي قال : دخلت المدينة فرأيت الناس مجتمعين و رأيت رجلاً يقبل رأس رجل و يقول : أنا فداء لك لولا أنت هلكنا فقلت : من المقبل و من المقبل ؟ قالوا ذاك عمر يقبل رأس أبي بكر في قتاله أهل الردة إذ منعوا الزكاة حتى أتوا بها صاغرين . و عن محمد بن الحنفية قال : قلت لأبي : أي الناس خير بعد رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال : أبو بكر . قلت : ثم من ؟ قال : ثم عمر . و خشيت أن يقول : عثمان قلت : ثم أنت فقال : ما أبوك إلا رجل من المسلمين . انفرد بإخراجه البخاري . و عن الحسن ، قال : قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : يا ليتني شجرة تعضد ثم تؤكل . و عن زيد بن أرقم قال : كان لأبي بكر مملوك يغل عليه فأتاه ليلة بطعام فتناول منه لقمة ، فقال له المملوك : مالك كنت تسألني كل ليلة و لم تسالني الليلة ؟ قال : حملني على ذلك الجوع من أين جئت بهذا ؟ قال مررت بقوم في الجاهلية فرقيت لهم فوعدوني فلما أن كان اليوم مررت بهم فإذا عرس لهم فأعطوني فقال : أف لك كدت تهلكني فأدخل يده في حلقه فجعل يتقيأ ، و جعلت لا تخرج فقيل له : إن هذه لا تخرج إلا بالماء ، فدعا بعس من ماء فجعل يشرب و يتقيأ حتى رمى بها فقيل له يرحمك الله ، كل هذا من أجل هذه اللقمة ؟ فقال لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها ، سمعت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يقول : كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به فخشيت أن ينبت شيء من جسدي من هذه اللقمة . و قد أخرج البخاري في أفراده من حديث عائشة طرفاً من الحديث . و عن هشام عن محمد قال : كان أغير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر . و عن محمد بن سيرين قال : لم يكن أحد أهيب لما يعلم بعد النبي - صلّى الله عليه وسلّم - من أبي بكر . و عن قيس قال : رأيت أبا بكر آخذاً بطرف لسانه و يقول : هذا الذي أوردني الموارد . و عن ابن أبي مليكة ، قال : كان ربما سقط الخطام من يد أبي بكر الصديق ، قال : فيضرب بذراع ناقته فينيخها فيأخذه قال : فقالوا له : أفلا أمرتنا نناولكه ؟ قال : إن حبي - صلّى الله عليه وسلّم - أمرني أن لا أسأل الناس شيئاً . رواه الإمام أحمد .
خلافة أبي بكر رضي الله عنه
ذكر الواقدي عن أشياخه أن أبا بكر بويع يوم قبض رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يوم الاثنين لاثني عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة من مهاجر رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - .
طرف من خطبه و مواعظه و كلامه رضي الله عنه
عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : لما ولي أبو بكر خطب الناس فحمد الله و أثنى عليه بما هو أهل ثم قال : أما بعد أيها الناس ، قد وليت عليكم و لست بخيركم ، و لكن قد نزل القرآن و سن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - السنن فعلمنا ، اعلموا أن أكيس الكيس التقوى ، و أن أحمق الحمق الفجور ، إن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه ، و إن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق ، أيها الناس إنما أنا متبع و لست بمبتدع ، فإن أحسنت فأعينوني و إن زغت فقوموني . و عن الحسن قال : لما بويع أبو بكر قام خطيباً ، فلا و الله ما خطب خطبته أحد بعد فحمد الله و أثنى عليه ثم قال : أما بعد ، فإني وليت هذا الأمر و أنا كاره له ، و الله لوددت أن بعضكم كفانيه ، ألا و إنكم إن كلفتموني أن أعمل فيكم مثل عمل رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - لم أقم به . كان رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - عبداً أكرمه الله بالوحي و عصمه به ، ألا و إنما أنا بشر و لست بخير من أحد منكم فراعوني فإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني و إذا رأيتموني زغت فقوموني واعلموا أن لي شيطاناً يعتريني فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني ... و عن يحيى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يقول في خطبته : أين الوضاء الحسنة وجوههم المعجبون بشأنهم ؟ أين الملوك الذين بنوا المدائن و حصنوها بالحيطان ؟ أين الذين كانوا يعطون الغلبة في مواطن الحرب ؟ قد تضعضع بهم الدهر فأصبحوا في ظلمات القبور ، ألوحا ألوحا ، النجاء النجاء . و عن عبد الله بن عكيم قال : خطبنا أبو بكر فقال : أما بعد : فإني أوصيكم بتقوى الله و أن تثنوا عليه بما هو أهله ، و أن تخلطوا الرغبة بالرهبة و تجمعوا الإلحاف بالمسألة . إن الله أثنى على زكريا و أهل بيته فقال : إنهم كانوا يسارعون في الخيرات و يدعوننا رغباً و رهباً و كانوا لنا خاشعين اعلموا عباد الله أن الله قد ارتهن بحقه أنفسكم ، و أخذ على ذلك مواثيقكم و اشترى منكم القليل الفاني بالكثير الباقي ، و هذا كتاب الله فيكم لا تفنى عجائبه ، و لا يطفأ نوره ، فصدقوا قوله و انتصحوا كتابه و استضيئوا منه ليوم القيامة ، و إنما خلقكم لعبادته و وكل بكم الكرام الكاتبين يعلمون ما تفعلون ، ثم اعلموا عباد الله أنكم تغدون و تروحون في أجل قد غيب عنكم علمه ، فإن استطعتم أن تنقضي الآجال و أنتم في عمل الله فافعلوا ولن تستطيعوا ذلك إلا بالله ، فسابقوا في مهل آجالكم قبل أن تنقضي آجالكم فتردكم إلى سوء أعمالكم ، فإن أقواماً جعلوا آجالهم لغيرهم و نسوا أنفسهم فأنهاكم أن تكونوا أمثالهم ، ألوحا ألوحا النجاء النجاء إن وراءكم طالباً حثيثاً مره سريع .
مرض أبي بكر و وفاته رضي الله عنه
عن عبد الله بن عمر قال : كان سبب موت أبي بكر وفاة رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - ، كمد فما زال جسمه يحري حتى مات . و عن ابن هشام أنا أبا بكر و الحارث بن كلدة كانا يأكلان حريرة أهديت لأبي بكر . فقال الحارث لأبي بكر : ارفع يا خليفة رسول الله ، و الله إن فيها لسم سنة ، و أنا و أنت نموت في يوم واحد فرفع يده فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يوم واحد عند انقضاء السنة . و قيل : كان بدء مرضه أنه اغتسل في يوم بارد فحم خمسة عشر يوماً . و عن أبي السفر قال : مرض أبو بكر فعاده الناس ، فقالوا : ألا ندعو لك الطبيب ؟ قال : قد رآني . قالوا : فأي شيء قال لك ؟ قال : إني فعال لما أريد . و عن عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط قال : لما حضر أبا بكر الصديق الموت دعا عمر فقال له اتق الله يا عمر ، و اعلم أن لله عملاً بالنهار لا يقبله بالليل ، و عملاً بالليل لا يقبله بالنهار ، و أنه لا يقبل نافلة حتى تؤدي فريضته ، و إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في دار الدنيا وثقله عليهم ، و حق لميزان يوضع فيه الحق غداً أن يكون ثقيلاً ، و إنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل في الدنيا و خفته عليهم ، وحق لميزان يوضع فيه الباطل غداً أن يكون خفيفاً ، و إن الله تعالى ذكر أهل الجنة فذكرهم بأحسن أعمالهم و تجاوز عن سيئه ، فإذا ذكرتهم قلت : إني لأخاف أن لا ألحق بهم ، و إن الله تعالى ذكر أهل النار فذكرهم بأسوأ أعمالهم ، و رد عليهم أحسنه ، فإذا ذكرتهم قلت : إني لأرجو أن لا أكون مع هؤلاء ليكون العبد راغباً راهباً ؟، لا يتمنى على الله ، و لا يقنط من رحمة الله ، فإن أنت حفظت وصيتي فلا يك غائب أحب إليك من الموت و هو آتيك ، و إن أنت ضيعت وصيتي فلا يك غائب أبغض إليك من الموت ، و لست تعجزه . و عن عائشة قالت : لما مرض أبو بكر مرضه الذي مات فيه قال : انظروا ماذا زاد في مالي منذ دخلت في الإمارة فابعثوا به إلى الخليفة من بعدي ، فنظرنا فإذا عبد نوبي كان يحمل صبيانه ، و إذا ناضح كان يسقي بستاناً له ، فبعثنا بهما إلى عمر . قالت : فأخبرني جدي أن عمر بكى و قال : رحمة الله على أبي بكر لقد أتعب من بعده تعباً شديداً . و عنها قالت : لما حضر أبا بكر الوفاة جلس فتشهد ثم قال : أما بعد يا بنية ، فإن أحب الناس غنىً إلي بعدي أنت ، و إن أعز الناس عليّ فقراً بعدي أنت ، و إني كنت نحلتك جداد عشرين وسقاً من مالي فوددت و الله أنك حزته و إنما هو أخواك و أختاك . قالت : هذان أخواي فمن أختاي ؟ قال : ذو بطن ابنة خارجة فإني أظنها جارية . و في رواية قد ألقي في روعي أنها جارية فولدت أم كلثوم . و عنها قالت لما ثقل أبو بكر قال : أي يوم هذا ؟ قلنا يوم الاثنين . قال : فإني أرجو ما بيني و بين الليل قالت : و كان عليه ثوب عليه ردع من مشق فقال : إذا أنا مت فاغسلوا ثوبي هذا و ضموا إليه ثوبين جديدين و كفنوني في ثلاثة أثواب فقلنا : أفلا نجعلها جدداً كلها ؟ قال : لا ، إنما هو للمهلة فمات ليلة الثلاثاء . أخرجه البخاري .
قال أهل السير : توفي أبو بكر ليلة الثلاثاء بين المغرب و العشاء لثمان ليال بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة ، و هو ابن ثلاث و ستين و أوصى أن تغسله أسماء زوجته فغسلته و أن يدفن إلى جنب رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - . و صلى عليه عمر بين القبر و المنبر ، و نزل في حفرته ابنه عبد الرحمن و عمر و عثمان و طلحة بن عبيد الله . رحمه الله و رضي عنه و حشرنا في زمرته و أماتنا على سنته و محبته .