الخوف من الله (2_2)
الوقفة الثالثة:
إن الخوف من الله سبحانه والخشية من عقابه القائمة على الشعور بقدرة الله تعالى ومهيمنته، وما توعد به الكفرة والمجرمين من عقاب أليم لا ينبغي أن يفضى إلى اليأس من رحمة الله تعالى، والاستبعاد لمغفرته، وتجاوزه ،لأن هذا شأن مسيء الظن بالله من الكافرين كما قال تعالى: ( وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } (يوسف،87.)
أخي القارئ لا شك أن من خشي الله تعالى وخافه على نحو ما ذكر، فقد عبدالله حق عبادته، وأمن يوم الفزع الأكبر، وارتاح يوم يقلق الناس، فمن خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة.
وإن الخوف من الله تعالى من سمات المتقين، وصفات المؤمنين، بل من شروط الإيمان، ومكملات العقيدة، قال تعالى: { فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } (آل عمران،175) وقال عن العلماء العاملين الربانيين( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء } (فاطر،28) ولذا من كان بالله أعرف كان منه أخوف.
وهكذا كان حال الصحابة رضي الله عنهم وسلف الأمة الصالح، جاء في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يومًا فقال: "والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيرًا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات يجأرون إلى الله تعالى" رواه البخاري (4621)ومسلم (2359) قال الراوي: فغطى الصحابة رضي الله عنهم رؤوسهم ولهم خنين، لقد أثرت فيهم موعظة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فأجهشوا بالبكاء خوفًا من مستقبل لا يدرون كيف يكون. ويُروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو خليفة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا سلك فجًا سلك الشيطان فجًّا آخر، استمعوا إلى قوله رضي الله عنه: (يا ليتني كنت كبش أهلي سمنوني ما بدالهم حتى إذا كنت كأسمن ما يكون زارهم بعض من يحبون فذبحوني لهم، فجعلوا بعضي شواءً وبعضي قديدًا ثم أكلوني، ولم أكن بشرًا).
وهذا أحد الصحابة رضي الله عنه قد انهارت قواه وخرَّ مغشيًا عليه، لما سمع الآية المنذرة في سورة الطور: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ }(الطور،7) والآخر يغمى عليه عندما سمع قول الله تعالى : {هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } (الجاثية،29) فيقسم هذا الصحابي عند ما أفاق ويقول: وعزتك لا عصيتك جهدي أبدًا فأعني بتوفيقك على طاعتك لقد تضاءلت هذه الصور في واقع كثير من المسلمين فضعف الخوف من الله، وقلّ الإشفاق من المصير، وهول المطلع، وهان على كثير منهم تسرب النفاق إلى القلوب، وأمنوا من مكر الله، فالذين تراهم يتقلبون بنعم الله تعالى ولا يشكرونها، أو لا يقرأون بقراءة كتاب الله تعالى واستماعه فضلًا عن التأثر به، أو يتثاقلون في فعل الطاعات، ولا يبالون في اقتراف المنكرات، كل هذا وذاك من ضعف الخوف من الله تعالى وما ضعف هذا الخوف إلا وينتج نتائج وخيمة وعواقب غير حميدة.